من هنا وهناك

رحلة في رواية ” دفاتر الوراق “

“خسرت صديقًا عزيزًا “،هكذا وجدت كل جوارحي تنطق حين انتهت رحلة القراءة المتعطشة لرواية ” دفاتر الوراق” للكاتب الأردني جلال برجس،

دفاتر الوراق هي رواية الصادرة عن ” المؤسسة العربية للدراسات والنشر” ، وهي الرواية الحائزة هذا العام على جائزة ” البوكر ” للرواية العربية.

بدأت الرواية بسلسلة من الأحداث والشخوص والأماكن والتي تترك في نفس القارئ تحيزًا وانتماءًا لكل تفصيلة بداخلها

وتَذهبُ بروحه في انغماسة عجيبة تفصل بينه وبين واقعه وتأخذه بتأشيرة سفر مجانية إلى عمان وشوارعها وحاناتها ومقاهيها،

وإلى مأدبا قبل عشرات السنين بصحرائها وبساطتها وطيب أهلها وارتباطهم بأرضهم ومحراثهم، وتصور نموذجًا واقعيًا للتركيبة الاجتماعية والطبقية آنذاك.

ثم ما نلبث حتى يرحل بنا الكاتب إلى روسيا، حيث يصور لنا الفارق الحضاري والثقافي من خلال والده “جاد الله”

الذي درس الفلسفة هناك وانخرط في العمل السياسي الشيوعي،

وكيف تأثر حاله وحال الطلبة بعد عودتهم إلى الوطن بالتضييق عليهم وملاحقتهم بسبب انتماءهم للحزب الشيوعي.

 

وتركز أحداث الرواية بشكل عام على عدة قضايا إجتماعية مهمة كالفساد في الأردن وكيف خسر بطل الرواية ” إبراهيم الوراق “

كشك الكتب الذي كان مصدر رزقه الوحيد بسبب أحد المتنفذين والذي أقام مكانه محلاً لبيع الأجهزة النقالة الحديثة،

وكيف أصاب البطل بعدها حالة من الشيزوفرينيا نتيجة لما مر به من وفاة والدته بمرض السرطان وانتحار والده

وهروب أخيه عاهد إنتهاء بخسارته للكشك ومن ثم بيته لعجزه عن دفع الإيجار للسيد الجشع.

وصولًا لتقمص إبراهيم شخصيات الروايات التي كان يقرأها بحرفيه مخيفة والتي أستطاع من خلالها الانتقام له ولليلى

ومن الفاسدين أيضًا ثم السطو على عدة بنوك حتى انتهى به المطاف بين أيدي رجال الأمن في منزل السيدة ايملي

والتي يسرد لنا قصتها هي الأخرى حين ذهبت للدراسة في روسيا أيضًا وكيف وقعت في حب ذلك الشاب الذي غادرها

وأنقطعت أخباره بعد أن حملت بطفله.

وكيف كبر ذلك الطفل والذي أصبح بدوره طبيبا نفسيًا ذهب الوراق اليه في وقت سابق علّه يجد حلاً لذلك الصوت الداخلي

الذي كان يحرضه على فعل ما لا يرغب به.

ومن ثم يتطرق الكاتب لقضية الملاجئ في الأردن والمصير المجهول…

المصير الذي يلاحق الكثيرين حين يغادرون الملجأ بعد بلوغهم السن القانوني في ظل غياب جهات ترعاهم أو تقدم لهم يد العون،

واستطاع الكاتب أن يصور للقارئ حالهم بكل براعة وبحقائق صعبة مجرده وقاسية ما يثير في النفس تعاطفًا انسانيًا كبيرًا معهم

من خلال صديقته ليلى أبنة الملجأ التي تعرضت للاغتصاب من المشرفة هناك ومجموعة من اصدقاءها المشردين.

وانبثق الجانب العاطفي بشكل خجول في أحداث الرواية حين التقى إبراهيم بالسيدة نون في العقبة حين كان ينوي الانتحار هناك،

ومن ثم تراجع عن ذلك حين أحس بشيء لامس روحه حال رؤيتها،

وقبل أن تغادر المكان نسيت السيدة نون دفتر مذكراتها والذي وقع بين يدي إبراهيم فراح ساهما بقراءته،

ثم يسرد لنا من خلاله رحلة حياة الفتاة التي وقع في حبها من النظرة الأولى، ويأخذنا الكاتب في هذة الجزئية

في رحلة عاطفية غزلية مبهرة يصف فيها البطل معشوقته التي لم يراها سوى مرة واحدة،

بينما صور لنا من جانب آخر رحلة البحث المضنية عن أي أثر يدل عليها لينتهي المطاف بخيبة أخرى وقعت في منتصف قلب ابراهيم

حين علم بأن السيدة نون كانت زوجة والده والتي انفصلت عنه بسبب سوء ما وصل حالهم اليه.

دفاتر الوراق رواية تتداخل بها عدة روايات، عدة عوالم وخيالات وحقائق ووقائع تترك القارئ بحالة من الذهول

والانغماس العجيب بكل حرف وكلمة،

وبكل شخصية ومكان وطريق، تتركه محملًا بألف سؤال وسؤال والف فكرة والف حياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى